إنها السادسة صباحا الآن في محطة "نيلادي" بمدينة سويتو الجنوب أفريقية ،
بدأت الشمس تنسج خيوطها على المدينة مترامية الأطراف التي يقطنها نحو
مليون نسمة وتقع جنوب غرب جوهانسبرج مع اصطفاف عشرات الأشخاص انتظارا
لمجيء القطار الذي سينقلهم إلى أعمالهم.
و"نيلادي" هي المحطة الأخيرة في خط القطار الذي يصل بين سويتو ومحطة
سنترال بارك في جوهانسبرج ، على مسافة 25 كيلومترا ، ويمر على محطة قديمة
للكهرباء باتت أعمدة التبريد فيها تستخدم حاليا في رياضات القفز وعلى
استاد كرة قدم مجدد وعلى منجم للذهب.
ويستقل غالبية مستخدمي المواصلات هذا القطار المكون من عربات قديمة صفراء
اللون ويتوقف في 15 محطة قبل أن يصل إلى محطة سنترال بارك بعد ساعة تقريبا
من انطلاقه وهو يحمل العديد من الأجساد المتلاصقة بسبب الزحام الشديد.
ولكن فيما يدل على قرب تغير الأحوال في تلك البلدة التاريخية المهمة التي
تستضيف مباراتي الافتتاح والنهائي ببطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2010
بجنوب أفريقيا في حزيران/يونيو وتموز/يوليو المقبلين ، أصبح لدى أهالي
سويتو حاليا خيار آخر بعد إنشاء خط قطار جديد بالمدينة وهو قطار فاره يضم
مقاعد فخمة ومريحة وستائر أنيقة وصحف مجانية.
وأصبح قطار "سويتو بيزنس إكسبريس" السريع الذي أنشيء عام 2007 ذى الألوان
الأبيض والأسود والذهبي رمزا للتحول الاجتماعي الذي حدث للكثيرين من سكان
المدينة التي تتكون من مجموعة من البلدات الصغيرة غير واضحة الأطراف حيث
كان العمال السود يلقون فيها ، بعيدا عن البيض ، في ظل نظام الفصل العنصري
الذي كانت تخضع له البلاد.
وتبلغ تكلفة تذكرة الذهاب الشهرية إلى جوهانسبرج 340 راندا (47 دولارا)
مما يعني أن قطار بيزنس إكسبرس يكلف ثلاثة أضعاف سعر تذكرة القطار العادي
ولكن المئات من أبناء الطبقة المتوسطة في سويتو مثل ليندي كوزا يستطيعون
تحمل تكلفته.
وتقول كوزا /50 عاما/ التي تشغل منصب مديرة الموارد البشرية في جوهانسبرج
بينما تجلس فى مقعدها المفضل بجانب النافذة : "إن هذا القطار مريح للغاية
ويوفر الوقت".
ويقول نلانلا موجومو /35 عاما /الذي يعمل في مجال التأمين ويجلس كل صباح
في المقعد المقابل لليندي : "إنه ليس مزدحما بالناس كما أنه يوفر الوقت".
وخارج حدود جنوب أفريقيا مازال الناس يتذكرون سويتو على أنها معقل صراع ،
عندما كان المتظاهرون السود ينشدون في وجه رجال الشرطة أصحاب الوجوه
المتحجرة البيضاء في ذروة حركة المقاومة ضد الفصل العنصري في سبعينات
وثمانينات القرن الماضي.
ولكن العالم سيشاهد سويتو مختلفة تماما عندما يجلس 90 ألفا من مشجعي كرة
القدم على مقاعدهم في استاد "سوكر سيتي" المتلأليء لحضور مباراة افتتاح
أول بطولة كأس عالم على أرض أفريقية في 11 حزيران/يونيو المقبل.
وتجسد سويتو هذه الأيام ، أكثر من أي مكان آخر ، تقدم جنوب أفريقيا نحو
"حياة أفضل للجميع" ذلك الوعد الذي قطعه أشهر سجين جنوب أفريقي سابق ،
نيلسون مانديلا ، خلال حملته الانتخابية في أول انتخابات رئاسية ديمقراطية
تشهدها البلاد عام 1994 .
ومن بين حطام ماضيها المليء بالروايات ، نجحت سويتو في أن تبني سياحة مزدهرة لنفسها.
وكل يوم يتدفق مئات السائحين على المدينة لزيارة أهم معالمها وهي الأماكن
التي احتضنت أحداث معركة التحرر ومن بينها المنزل الصغير الذي كان يسكنه
مانديلا وزوجته السابقة ويني ماديكيزيلا-مانديلا في الستينات.
وتستكمل الرحلة في الشارع نفسه وصولا إلى متحف "هيكتور بيترسون" الذي يحمل
اسم الصبي الذي راح ضحية رصاص الشرطة وهو في الثانية عشرة من عمره خلال
انتفاضة الطلاب بسويتو ، ثم يمكن للزائر أن يتناول وجبة غداءه في مطعم
محلي ويكمل جولته في أحد محال الهدايا التذكارية.
وجاء ازدهار السياحة في سويتو لينشر ثقافة روح العمل الاستثمارى في المدينة.
ونجح العديد من سكان المدينة في توسيع منازلهم الحكومية بالغة الضيق حيث
تمكنوا من تمويل هذا التوسع عن طريق تأجير الخيام في الفناء الخلفى
لمنازلهم.
وبدأت إعلانات مراكز التجميل وقلاع القفز التي تتواجد دائما في حفلات
الأطفال تبحث لنفسها عن مساحة وسط إعلانات المعالجين التقليديين
والمتعهدين فيما يدل ، مثله مثل مهرجان سويتو السنوي للنبيذ أو انتشار
التنمية العقارية الخاصة ، على ازدهار أحوال الطبقة الوسطى في المدينة.
ووصلت درجة الاستعداد إلى ذروتها في سويتو في عام 2007 عندما قص مانديلا
شريط افتتاح المركز التجاري "مابونيا مول" المبني على مساحة 60 ألف متر
مربع.
ونجح هذا المركز التجاري الذي بناه رجل من سويتو في جلب مصممي النظارات والأحذية العالميين إلى أعتاب سكان المدينة.
وفي العام نفسه ، افتتح فندق "هوليداي إن" ذو الأربع نجمات في منطقة
كليبتاون التي من الطرافة أنها واحدة من بين مناطق محدودة في سويتو مازال
أهلها يسكنون الأكواخ الصفيح.
ويقول موكومو الذي يحمل معطفه في حقيبة بلاستيكية تحمل اسم وعلامة
"وولورث" أحد أبرز سلاسل محلات الأغذية والملابس التي يزداد انتشارها في
سويتو : "بعد عام 1994 (عندما تولى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي برئاسة
مانديلا السلطة) تغير وجه سويتو بشكل درامي ، على الأقل بوسعنا الآن أن
نعيش حياة طبيعية".
ورغم أن العديد من أصدقاء موكومو رحلوا عن سويتو بعد تحسن أحوالهم المادية
ليسكنوا المنطاق الشمالية بجوهانسبرج التي كانت قاصرة على البيض فقط من
قبل ، فلا توجد لدى موكومو أي نية للسير على خطاهم.
حيث يقول الأب لابن واحد بفخر : "حتى من رحلوا عن المدينة يعودون إليها يوم الجمعة لأنهم يعرفون أنها معقل الأحداث كلها".
كما تشهد سويتو تغيرات أخرى من الناحية الأمنية.
وفي الوقت الذي تشهد فيه البلدات الأخرى عبر جنوب أفريقيا العديد من أعمال
الشغب بشكل مستمر بسبب تدني مستوى الخدمات العامة ، تعتبر سويتو التي حظيت
باستادين جديدين ونظام جديد للحافلات ومواقف جديدة للسيارات استعدادا لكأس
العالم منطقة سلمية تماما.
ورغم أن جرائم العنف واعتداءات الثأر بين المجرمين مازالت قائمة في سويتيو
، فإن العديد من سكان المدينة مثل ليندي كوزا التي قتل زوجها عام 2004
رميا بالرصاص لسرقة هاتفه المحمول يؤكدون أن الوضع في تحسن.
وقالت كوزا : "لم يعد الوضع سيئا بقدر ما كان في الماضي .. إنه أفضل بكثير الآن".
